25-01-2018, 03:47 AM
|
#29694
|
( عضو دائم ولديه حصانه )
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 55232
|
تاريخ التسجيل : 12 2016
|
أخر زيارة : 11-06-2025 (03:25 AM)
|
المشاركات :
4,168 [
+
] |
التقييم : 10
|
الدولهـ
|
الجنس ~
|
|
لوني المفضل : Azure
|
|
ذكر الإمام أبو عمر ابن عبد البر الأندلسي (ت463هـ) الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : (( من اقتنى كلبا ؛ إلا كلبا ضاريا أو كلب ماشية = نقص من عمله كل يوم قيراطان)) .
ثم قال ابن عبد البر في التمهيد : (( وفي معنى هذا الحديث : تَدْخُلُ عندي إباحةُ اقتناء الكلاب للمنافع كلها ، ودفع المضار ، إذا احتاج الإنسان إلى ذلك ؛ إلا أنه مكروه اقتناؤها في غير الوجوه المذكورة في هذه الآثار ؛ لنقصان أجر مقتنيها والله أعلم .
وإنما كره من ذلك اقتناؤها لغير منفعة وحاجةٍ وَكيدةٍ ، فيكون حينئذ فيه ترويعٌ الناس ، وامتناعُ دخولِ الملائكة في البيت والموضع الذي فيه الكلب . فمن ههنا (والله أعلم) كُره اتخاذها .
وأما اتخاذها للمنافع : فما أظن شيئا من ذلك مكروها ؛ لأن الناس يستعملون اتخاذها للمنافع ودفع المضرة قرنا بعد قرن ، في كل مصر وبادية ، فيما بلغنا ؛ والله أعلم . وبالأمصار علماء ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف ويسمع السلطانُ منهم ، فما بلغنا عنهم تغيير ذلك ؛ إلا عند أذى يحدث من عقر الكلب ونحوه .
وإن كنت ما أحب لأحد أن يتخذ كلبا ولا يقتنيه إلا لصيد أو ماشية في بادية أو ما يجري مجرى البادية من المواضع المخوف فيها الطرق والسرق ، فيجوز حينئذ اتخاذ الكلاب فيها للزرع وغيره ؛ لما يُـخشى من عادية الوحش وغيره ؛ والله أعلم . وقد سئل هشام بن عروة عن الكلب يُتخذ للدار ؟ فقال : لا بأس به ، إذا كانت الدار مخوفة)) .
ولما ذكر ابن عبد البر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة )) , قال : «فلهذا (والله أعلم) وما أشبهه كَرِهَ اتخاذَ الكلاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .
وقد اختُلف في هذا الحديث :
فقيل هو خصوص لجبريل وحده صلى الله عليه وسلم ، بدليل الحفظة .
وقيل بل الملائكة على عموم الحديث . والله أعلم .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث (نقص من عمله أو من أجره) يريد من أجر عمله كل يوم قيراطان : دليل على أن اتخاذها ليس بمحرم ؛ لأن ما كان محرما اتخاذه لم يجز اتخاذه ولا اقتناؤه على حال نقص من الأجر أو لم ينقص . وليس هذا سبيل النهي عن المحرمات : أن يقال فيها : من فعل كذا ...
ولكن هذا اللفظ يدل - والله أعلم - على كراهية ، لا على تحريم .
ووجه قوله عليه السلام في هذا الحديث من نقصان الأجر : محمول عندي - والله أعلم - على أن المعاني المتعبد بها في الكلاب : من غسل الإناء سبعا إذا ولغت فيه ، لا يكاد يقام بها ، ولا يكاد يتحفظ منها ؛ لأن متخذها لا يسلم من ولوغها في إنائه ، ولا يكاد يؤدي حق الله في عبادة الغسلات من ذلك الولوغ ، فيدخل عليه الإثم والعصيان ، فيكون ذلك نقصا في أجره بدخول السيئات عليه .
وقد يكون ذلك من أجل أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ، ونحو ذلك .
وقد يكون ذلك بذهاب أجره في إحسانه إلى الكلاب ؛ لأن معلوما أن في الإحسان إلى كل ذي كبد رطبة أجرا لكن [عدم] الإحسان إلى الكلب ينقص الأجر فيه ، أو يبلغه ما يلحق مقتنيه ومتخذه من السيئات بترك أدبه لتلك العبادات في التحفظ من ولوغه والتهاون بالغسلات منه ، ونحو ذلك : مثل ترويع المسلم وشبهه ؛ والله أعلم)) .
ولخص هذا الكلام في الاستذكار فقال : ((وأما نقصان الأجر فإن ذلك - والله أعلم - لما يقع من التفريط في غسل الإناء من ولوغ الكلاب لمن له اتخاذها ومن التقصير عن القيام لما يجب عليه في ذلك من عدد الغسلات وقد يكون لما جاء في الحديث بأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب [ وقد مضى القول في ذلك ] .
وقد يكون في التقصير في الإحسان إلى الكلب ؛ لأنه قانعٌ ناظرٌ إلى يد متخذه . ففي الإحسان إليه أجر ، كما قال صلى الله عليه وسلم في كل ذي كبد رطبة أجر وفي الإساءة إليه بتضييقة وزر)) .
وقد اعترض أحد العلماء على كلام ابن عبد البر عن أن نقصان الأجر لا يدل على التحريم ، فقال الحافظ العراقي في كتابه (طرح التثريب) عن كلام ابن عبد البر : « وهو عجيب ؛ لأن استدلالنا على التحريم بالنقصان من الأجر ؛ لأن ذلك يدل على ارتكاب محرم أحبط ثواب بعض الأعمال . كما كان عدم قبول صلاة شاربِ الخمر ، والعبدِ الآبق ، وآتي العَـرّاف والكاهن = يدل على تحريم هذه الأعمال ؛ فإن تحريمها هو الذي أحبط ثوابها . بخلاف عدم قبول صلاة المحدث ، فإنه ليس لاقتران معصية ؛ لأن الحدث ليس بمعصية ، وإنما هو لفقد شرط وهو الطهارة » .
ويُـجاب على هذا الاعتراض : بأن نقصان الأجر شيءٌ غيرُ إحباطِ الأجر وإحباط العمل ؛ ولذلك يصح أن يُقال عمن فعل مكروها : إنه قد نقصَ أجرُه ، لأن المكروه هو ما يُثاب تاركه ولا يُعاقب فاعله . ويصح أن يُقال عمن ترك سُنةً مستحبةً غير واجبة أيضًا : إنه قد نقص أجرُه ، مع أنه لم يفعل حراما . فنقصان الأجر بهذا المعنى لا يكفي وحده للدلالة على التحريم ، ولا عجب في تقرير ابن عبد البر !
ويبين انعدام العجب عن كلام ابن عبد البر : حديث أبي هُرَيرَةَ (رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من شهِدَ الجَنَازَةَ ، حتى يُصلَّى عليها : فلَهُ قِيراطٌ . ومَنْ شهِدَهَا ، حتى تُدفَنَ : فلَهُ قِيراطَانِ . قيلَ وما القِيرَاطَانِ ؟ قال : مِثلُ الجَبَلَيْنِ العَظِيمَيْنِ » . فلما بلغ عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) هذا الحديث ، وكان يصلى على الجنازة ثمَّ يَنصَرِفُ ، ولا يتبعها حتى نُدفن ، قال : لقد ضَيَّعنَا قرَارِيطَ كثِيرَةً .
فمن لم يُصلِّ مع المصلِّين (وقد ترك سنة) نقص من أجره قيراط ، ومن ضمّ إلى ذلك أنه لم يتبع الجنازة مع المشيّعين (وقد ترك سنة) فقد نقص من أجره قيراطان([1])، كما قيل في متّخذ الكلب ، مع كونه لم يفعل حراما .
وفي هذا النقل من الفوائد :
1-هذه النصوص النبوية هي نفسها أدلة المحرمين , وهي نفسها (كما ترى) دليل الكراهة بغير تحريم ! ولكن بتعمق في الفهم , ونظرٍ في طريقة النصوص في التعبير عن التحريم .
2-جعلَ ابن عبد البر الكراهةَ حكما خاصًّا بمن أدت تربيته الكلاب إلى أمر محرم ، فيكون وقوعه في الحرام هو الحرام . وأما ذريعة الوقوع في الحرام (وهي تربية الكلاب) فتبقى عنده مكروهة ؛ لأسباب توجب مراجعة باب (سدّ الذرائع) على أصحاب الغلو في سدها !!
3-تربية الكلاب لو كانت لغير منفعة , ولغير كلب ماشية (وما ورد في النص) : مكروهة . وأما إذا كانت لمنفعة فمباحة ، بشرط القيام بحق الله تعالى تجاه تربيتها .
4-قاس ابن عبد البر على المنافع الواردة في النص بقية المنافع ؛ فلم يحصر عدم المكروه في الوارد فقط ؛ لأن هذه النصوص معلّلة بمصالح ومفاسد .
5-جعل من أسباب نقصان الأجر بتربية الكلاب : التقصير في الإحسان إلى الكلب ؛ لأنه قانع ناظر إلى يد متخذه !! أي : إن الكلب وفيّ لصاحبه حافظ له ولطعامه ، لا يأكل من طعامه إلا ما وهبه إياه , وينتظر هبته من صاحبه ، وليس كالقط الذي يخطف الطعام !!
وفي هذه النظرة للكلب ما يدل على شرف طباعه , وأن الشرع كره تربيته لمن لا يحسن إليه !!
وازنوا هذا بما يشيع بين بعض الفقهاء من بغض للكلاب ، تجدون فَرْقَ ما بين فقه أهل الفقه الـمُحِبّ والفقه المبغِض ، وفَرْقَ ما بين الفقه الذي يفهم بالقلب والفقه الذي يفهم بالعقل فقط !!
المقال الثاني :
لماذا لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب
(والاستدلال بعدم دخول الملائكة على التحريم)
من أدلة التحريم التي ما زلت أستغرب من ذكرها في أدلة التحريم ؛ لأنه لا دليل فيها على قصد التحريم : عدم دخول الملائكة أو اجتنابها لأمر ما (كعدم دخولها بيتا فيه صورة أو كلب أو جُنب أو عدم مرافقتها إبلا تعلق الأجراس).
وسبب كونها ليست دليلا على التحريم أمور :
الأول : أنه لم يأت دليل في الشرع يدل على أن ما تكرهه الملائكة أو تجتنبه يلزم أن يكون حراما على بني آدم .
ثانيا : ولا نحن مأمورون بالاقتداء بالملائكة في كل شأنهم ، ولا يمكن ذلك ؛ فهم خلق آخر ، ولهم أحكامهم الخاصة .
ولذلك كان من بين الأحكام التي ذكرها بعض الفقهاء : أن عدم دخول الملائكة لبيت فيه صورة لا يحرم علينا دخولها .
قال ابن قدامة في المغني عن دخول البيت الذي فيه صور : (( وكون الملائكة لا تدخله لا يوجب تحريم دخوله علينا ، كما لو كان فيه كلب ، ولا يحرم علينا صحبة رفقة فيها جرس ، مع أن الملائكة لا تصحبهم)) .
ثالثا : ولا يقتضي العقل ذلك ، فالملائكة خلق مكرمون ، لكنهم خلق , وقد يكرهون ما لا يحرم علينا . ومما يقطع بذلك : حديث الصحيحين : ((نهى رسول اللّهِ صلى الله عليه وسلم عن أكْلِ الْبصَلِ والْكُرَّاثِ ، فغَلَبَتْنَا الْحاجَةُ ، فأَكَلْنَا منها ، فقال : من أكَلَ من هذه الشّجَرَةِ الْمُنْتِنةِ فلا يقْرَبَنَّ مسْجِدَنَا ؛ فإن الْملَائِكَةَ تأَذَّى مِمّا يتَأَذَّى منه الْإنْسُ)) . ولم يقل أحد إن أكل البصل والكراث حرام ، مع كراهية الملائكة له وتأذيها منه .
رابعا : أجمع العلماء على عدم تحريم أشياء وهي مما يكرهها الملائكة ، كما سبق في الثوم والبصل والكراث .
خامسا : أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جُنب (على ما صح) ، والمسلم يجنب ، ولا يجب عليه الاغتسال فور إجنابه . ولو كان عدم دخول الملائكة يقتضي التحريم ، لوجب الاغتسال فور الإجناب .
بل المعتكف يبيت في المسجد ، ولا بد أن يُجنب بعض المعتكفين ، والمسجد أولى بتطهيره ، ومع ذلك شُرع الاعتكاف , ونأمر المعتكف بأن يغتسل فور إجنابه ، ولم تمنع الشريعة النوم في المسجد .
سادسا : عدم دخول الملائكة أصلا مقيد ببعض الملائكة ، ولا يعم جميع الملائكة :
- إذ الحفظة الكاتبون ممن لا يفارقون بني آدم ؛ لأنهم ينسخون أعمالهم { إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون } .
- والملائكة الذين يحفظون بني آدم ، حتى يحين أجلهم , وهم المذكورون في قوله تعالى { لهُ مُعقِّبَاتٌ مّن بَينِ يَدَيهِ ومِنْ خَلفِهِ يَحفَظُونَهُ منْ أَمرِ اللّهِ } .
- وملائكة قبض الروح (سواء أكانت روح مؤمن تقي أو فاجر شقي أو كافر غوي ) لا يمنعها شيء من الدخول , ومن قبض روح من حان أجله .
وهذا حنظلة شهيد أُحد (رضي الله عنه) ، قُتل وهو جنب ، فلم تتجنبه كل الملائكة ، بل غسلته طائفة منهم .
ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى أن عدم دخول الملائكة بيتا فيه صورة أو كلب خاص بملائكة الوحي , حتى إن ابن حبان شرحَ حديث «إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْمَلائِكَةُ» بقوله : « يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي يُوحَى فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ فِي بَيْتٍ وَفِيهِ صُورَةٌ من غير أَنْ يَكُونَ حَافِظَاهُ مَعَهُ ، وَهُمَا مِنَ الْمَلائِكَةِ .
وَكَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ (( لا تَصْحَبِ الْمَلائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ أَوْ جَرَسٌ)) يُرِيدُ بِهِ رُفْقَةً فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ إِذْ مُحَالٌ أَنْ يَخْرُجَ الْحَاجُّ وَالْعُمَّارُ مِنْ أَقَاصِي الْمُدُنِ وَالأَقْطَارِ ، يَؤُمُّونَ الْبَيْتَ الْعَتِيقَ عَلَى نَعَمٍ وَعِيسٍ بِأَجْرَاسٍ وَكِلابٍ ، ثُمَّ لا تَصْحَبُهَا الْمَلائِكَةُ ، وَهُمْ وَفْدُ الله» ، انتهى كلام ابن حبان .
سابعا : ذهب بعض أهل العلم إلى أن الملائكة التي تمتنع من دخول البيت الذي فيه صورة أو كلب أو جنب : لا تمتنع من كل بيت فيه ذلك ، وإنما من بيت الوحي فقط ، وهو بيته صلى الله عليه وسلم خاصة ، دون بيوت بقية المؤمنين والناس.
قال ابن حبان : «ذكر الخبر الدال على أن قوله صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب أراد به بيتا يوحى فيه لا كل البيوت» , ثم ذكر حديث مَيْمُونَة رضي الله عنها : « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصْبَحَ يَوْمًا وَاجِمًا ، قَالَتْ مَيْمُونَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، اسْتَنْكَرْتُ هَيْئَتَكَ مُنْذُ الْيَوْمِ ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ وَعَدَنِي أَنْ يَلْقَانِيَ اللَّيْلَةَ ، فَلَمْ يَلْقَنِي ، أَمَا وَاللَّهِ مَا أَخْلَفَنِي ! قالت : فَظَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَهُ ذَلِكَ عَلَى ذَلِكَ ، ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ جِرْوُ كَلْبٍ تَحْتَ فُسْطَاطٍ لَهُ ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِهِ مَاءً فَنَضَحَ مَكَانَهُ ، فَلَمَّا أَمْسَى ، لَقِيَهُ جِبْرِيلُ ، فَقَالَ : قَدْ كُنْتَ وَعَدْتَنِي أَنْ تَلْقَانِيَ الْبَارِحَةَ ؟! قَالَ : أَجَلْ ، وَلَكِنَّا لا نَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلا صُورَةٌ ».
ولذلك اطّرد ابن حبان في الإبل التي تعلق الأجراس ، فقَالَ :« يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهَذَا الْعِيرَ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم ، مِنْ أَجْلِ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ» .
وحتى لو حُملت على العموم فهي للاستحباب عنده , كما قال : «ذِكرُ الإخبار عن نفي جواز صحبة المرء ذوات الأجراس استحبابا » . .
ولا يمنع من سواغ هذا الاجتهاد من الإمام ابن حبان ، ومن كونه اجتهادًا معتبرًا : قولُ الحافظ ابن حجر عنه : «وهو تأويل بعيد جدا ! لم أره لغيره .
ويزيل شبهته : أن كونهم وفدَ الله لا يمنع أن يُؤاخذوا بما يرتكبونه من خطيئة ، فيجوز أن يُـحرموا بركة الملائكة بعد مخالطتهم لهم ، إذا ارتكبوا النهي ، واستصحبوا الجرس , وكذا القول فيمن يقتني الصورة والكلب » .
والجواب : ليس في المسألة إجماع ، حتى يُـحجَر على ابن حبان (في إمامته واجتهاده) أن يجتهد . بل الخلاف قد حكاه ابن عبد البر أيضًا ، ولم ينفرد به ابن حبان . فقد حكى ابن عبد البر الاختلاف في الملائكة التي تمتنع من دخول البيت الذي فيه صورة أو كلب ، وذكر أن من العلماء من خصه بجبريل عليه السلام .
ثم ماذا سيقول الحافظ ابن حجر في أدلة تقييد الملائكة التي تمتنع من دخول البيت الذي فيه صورة أو كلب , والتي سبق بعضها ، والتي تبين أنه ليس كل الملائكة ممنوعة من دخول البيت الذي فيه صورة أو كلب .
وهذا التقييد الواجب : هو الذي جعل ابن حبان يسعى للتقييد ؛ لحلِّ التعارض ودفع هذا الإشكال .
وماذا سيقول الحافظ عن حاج أكل ثوما أو بصلا ؟ هل تتجنبه الملائكة ؛ لأنها تتأذى منه , مع أنه لم يأت حراما .
وماذا سيقول الحافظ في حاجٍّ أجنب ، وفي معتكف أجنب ، هل ستتجنب الملائكة منزلا هو فيه ؟ ولقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يجنب ، فربما اغتسل في أول الليل , وربما أخر الغسل إلى آخره . فهل ستجتنب الملائكة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يغتسل ؟! وهل سيفوته فضلُ حياطتها وحفظها بذلك ؟!!
وماذا سيقول الحافظ عن قافلة حاج اتخذت كلب حراسة للحاجة إليه , وما أحوج القوافل لمثله ، فهل ستتجنبهم الملائكة ؟ خاصة مع القول بأن الملائكة تجتنب البيت الذي فيه كلب أو صورة ، حتى مما رُخصَ فيه ، كما ذهب إلى ذلك الإمام النووي ، فقال : «الأظهر أنه عام في كل كلب وكل صورة ، وأنهم يمتنعون من الجميع ؛ لإطلاق الأحاديث ، ولأن الجرو الذي كان في بيت النبي- عليه السلام- تحت السرير كان له فيه عذر ظاهر؛ فإنه لم يعلم به ، ومع هذا امتنع جبريل- عليه السلام- من دخول البيت ، وعلل بالجرو ، ولو كان العذر في وجود الصورة والكلب لا يمنعهم لم يمتنع جبريل- عليه السلام-» .
فإن قيل : بل الأظهر أن الملائكة لا تجتنب إلا بيتا فيه ما لم يُرخص به من الصور والكلاب ، كما هو قول بعض أهل العلم ؟ قيل : فهو مبني على القول بتحريم ما تجتنبه الملائكة للنهي عنه ، وهو محل النزاع عند من رآه نهيا للتنزيه ، لا للتحريم . خاصة في الكلب ، وبعض الصور والتماثيل .
ويؤيد التخصيص : أن جعل الصورة في وسادة هو مما ورد الإذن به في الحديث الصحيح , ومع ذلك ففي الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : حَشَوتُ للنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وسَادَةً فيها تَمَاثيلُ ، كأَنَّهَا نُمْرُقةٌ . فجَاءَ ، فقَامَ بين الْبابَيْنِ ، وجَعَلَ يتَغَيَّرُ وجْهُهُ . فقلت : ما لنا يا رسُولَ اللّهِ ؟! قال : ما بالُ هذه الْوسَادَةِ ؟! قالت : وسَادَةٌ جعَلْتُهَا لك لتَضْطَجِعَ عليها , قال : أمَا عَلمْتِ أنَّ الْمَلَائكَةَ لا تدْخُلُ بيْتًا فيه صُورةٌ , وأَنَّ من صنَعَ الصُّورةَ يُعذَّبُ يوم الْقيَامَةِ يقول أحْيُوا ما خلَقْتُمْ)) .
فمع كون الصورة مما يؤذن به ؛ إلا أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أنها تمنع دخول الملائكة بيته الطاهر !
ثامنا : ورد ما يدل على أن يسير الصور أو بعضها لا يمنع من دخول الملائكة !
فعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « إِنَّ الْمَلائِكَةَ لا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ )) . قَالَ بُسْرٌ : ثُمَّ اشْتَكَى ، فَعُدْنَاهُ ، فَإِذَا عَلَى بَابِهِ سِتْرٌ ، وَإِذَا فِيهِ صُورَةٌ . فَقُلْتُ لِعُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلانِيِّ : أَلَمْ يُخْبِرْنَا ؟ وَيَدَعُ الثَّوْبَ ؟!! قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ : أَلَمْ تَسْمَعْهُ قَالَ : إِلا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ ؟» .
ولذلك قدمه ابن حبان بقوله : «ذكر البيان بأن الملائكة قد تدخل البيت الذي فيه اليسير من الصور» .
وبعد هذا كله ، يأتيني شخص يظن اجتهاده وحي ، فيقطع بتحريم اقتناء الكلاب لغير ما نُصّ بالترخيص فيه([2]), ويستدل له بما لا ينفع للاستدلال من كون الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب !!
|
|
|