شيء من الطبطبة أرجو أن تتقبلينها ..
صبـاح الخير أختي جروح تبتســم ..
وسلام الله عليكِ ، وحمته ، وبركاته ..
أختي الفاضلة ..
( سأكتب لكِ عن بكاءكِ ، وحاجتكِ لصدر أمكِ ) .
كم من اللطف ، والرقـة خلف أضلع ينبضُ فيها قلبكِ الأبيض ، وكم من الحساسية الدالة على طيبة تشي بـها أحرفكِ ..
مهما توترتِ .. مهما غضبت ..
ومهما مررت بأوقاتِ عصيبـة ...
رائع أنكِ أعدتِ توقيعكِ الذي يعني
أن لديكِ القدرة على التفكير والاختيار السليم وأنكِ قادرة على تغيير فكرتكِ عن ذاتكِ أو ربما كتابتكِ في التعبير عن ما يؤلمكِ ، ويوجعكِ فكل عبارته إيجابية ، وارتباط بالله ، وإيمانا بأقداره ..
ومن حقكِ في لحظات التأزم ، والرتابة ، والملل ، وعدم فهم الآخرين ، وبالذات من حولكِ .. أن تبكي ، وأن تتمني الموت ، والفناء .
•أختي الفاضلـة ..
نحن بشر ، لنا آمالنا ، وأحزاننا .. همومنا ، وأحلامنا .. أخطائنا ، وحسناتنا ، وهناك رحمة من الله أكثر وأوسع من رحمة أمهاتنـا .. رب يصفح لو بلغت ذنوبنا عنان السماء ، ويفرج عنا لو ضاقت بنا الدنيا ، وارتدينا الوجع رداء ...
أتعرفي يا أختي أعذب اللحظات حين ندس أنفنا ، وجبيننا في الأرض ساجدين .. لا أحد يرانـا ثم نجهش بالبكاء كالرّضع نناجي الله ، ورحمته ، نستغيثه ، ونرجوه .. فالله يحب الملحين ، ويحب دموع تذرف من أجله ، وتجله ، وتخشاه ..
تلك اللحظات تعلو بنا كثيرا ... تمنحنا الشفافية .. فنرى دواخلنا واضحة .. صافية .. نزيل منها أدرانهـا .. أوجاعها .. فنسلم أمرنا لله ليس بقاء دون عمل أو سعي لمساعدة أنفسنا .. فالله يحب المؤمن القوي .. العامل .. المثابر ، نعقلها يا أختي ، ونتوكل على الله بارينـا ..
نعـم أريدك صريحة ، وتشرحي أكثر ...
جميل أننا إذا رغبنا البكاء بكينـا ، فتلك مشاعر إن أبقيناها أحرقتنا .. ولا تدل على ضعفنا ، ولا عجزنا ، وإلا لِم العينين ، ومسارب الدموع أوجدت .. والأروع أن نجد من يساندنا .. من يحضننـا ، ويمسح بكفه دمعتنا ، ومن يسمع آهتنـا .. أم أو أخت أو صديقـة .. لكن لو لم نجد من يشعر بنـا أو يعتني بنا ألا نسأل أنفسنا لماذا ..؟! ربما لأنهم يحملوا أفكارا غير عقلانية تجاه البكاء ، وقناعة منهم أننا كبرنا فلا حاجة لبكائنا ... أو أن البكاء مترسخ لديه أنه ضعف ، وهشاشة لنـا .. تلك إذن ليست مشكلتنـا .. مشكلتهم هم .. الذين يدارون هطول دمعتهم ... فكيف لنا نطلب ما لا يقدروا عليـه .. لأنهم لن يفهموا دموعنا ... وما خلف دموعنا .. كيف لهم يتقبلونا في قوتنا وضعفنا .. في فرحنا ويأسنا من أجل ذواتنا .. من أجل أننا نحتاج إلى تلك اللحظات التي يقتربون منا يلامسونا ، ويسمعون لنا .. ليس ضعفا أيضا أن نبوح بحاجتنا للحنان مهما كنا رجلا أو امرأة طفلا أو كبير .. حتى الكهول ، وهم في فراش عجزهم أكثر الذوات حاجة إلى اللطف ، والحنان ، والاهتمام فما بال الكثيرين أباءا ، وأمهات يجيدون توفير الأكل والشراب وكراريس المدرسة ويبخلون ببسمة بقبلة بضمـة لأبنائهم ... وتلك الأشياء لا تتطلب جهدا ولا وقتا وإنما إحساسا بمسؤوليتهم تجاه من أنجبوهم .
•أختي الفاضلـة ..
لم تطلب مستحيلا ، ولا شيء غريبا ، شيء من حقوق الأمومة ما ذكرت تريديه ، وشيء من حقوق الأبوة تتوقين له ... ورغم ذلك هل نشك في أبوتهم ، وأمومتهم إن لم يفعلوا ، بل أحيانا لا نريدهم أن يفعلوا المهم أن يوقفوا عتبهم ، وتفريقهم في التعامل بين الأخوة بين الكبير والصغير أو تصنيفهم ذكرا ، وأنثى .. نريدهم عادلين في تصرفاتهم ، وفي عطائهم ، وفهم تفهمهم لنـا قدر استطاعتهم .. إن لا مبالاتهم ، أو عدم تفهم أو حتى ظلمهم لا يعني كرهم لنـا أو أنهم قاصدين ... كم من الآباء بتلك السلوكيات التي تتعبنا نابعة من جهل منهم بل من ظنا أن ما يفعلونه هو الصحيح .. هو الأسلوب الأمثل في تربيتنا ، والتعامل معنا وفقا لقواعدهم الخاطئة ومفاهيمه المبنية على أخطأ ، وأساليب ربما تعلموا ، وتربوا من خلالهـا ، توارثوها ، ونقلوها لنـا ... لنبحث لهم عن الأعذار ، ولنحاول اختيار أوقات نناقشهم ... نبدل أفكارهم تجاه ما يضايقنـا ، وما يريحنا .
* أختي الفاضلـة ..
صدقيني والدتكِ إن كانت عاجزة فعل حضنها لكِ ، وربما تبتعد لو احتجتِ ذلك أو تتركك ، وتغلق عليك باب غرفتكِ إن وجدتك باكية ... لا يعني أنها كما هي .. بل أنا متأكد أنها في صراع لخوفها أن تبادي ، وتفعل ما تتوقين لـه .. جربي ، وحتى لو فشلتِ أعيدي المحاولة واقتربي منها أنت .. أرتمي عليها .. فلتقل ما تقول .. تشبثي بها كما كنت صغيرة حين كنت تبكي إذا رايتيها ترتدي العباءة وقد همت بالخروج ..
مهما تكون نظرة والدتك أو فكرتها عن حضنها لكِ ، وحتى لو أعلنت الرفض سيبقى في قلبها حاجة فيها هي إلى تستعيد حضنك ، لتتذكر يوم كانت في بداية أمومتها معكِ .. أختي والدتك امرأة .. أنثى مثلك تدرك ، وتعي تلك المشاعر ... فكوني جريئة ، وانسي عمرك الزمني لحظة حاجتك للبكاء ، ودفء صدر أمكِ .. لتقل ما تقول المهم أن تتشبثي بها أن لا تتركيهـا ... أنها أمك ... أنها أمك ... فلتعاتبك على تصرفاتك الصغيرة ، ولتقول عنك ما تقول ... المهم أن تفرضي عليها مشاعرك لحظة تحاصرك ، وتؤرّقك .
•أختي الفاضلـة ...
أليست أنت من يحتاج إلى الحضن ، ومن يحتاج شيء ... يعاركِ من أجله ... ولا يمل من السعي لتحقيقه ، وحتى لو أخفق وواجه عوائق ... يقف ثانية .. يبدل .. يغير .. لأن هناك شيء يريده .. هدف محدد ، ومع الإصرار ، والمحاولة تحققي ، وما لا تتوقعي ، وسترين أن أسوارا عالية تنهد بينكِ ووالدتكِ ، ومفاهيم خاطئة تذيبها مغامرتك ، ومبادأتك ... فلتجربي تكوني فعلا طفلة وتعبري بما تشعري به وتحتاجين إليه لأمك .
•أختي الفاضلـة ..
انزعاج والدتك لتركك للعلاج دليل على خوفها عليكِ ، واعتقادا منها أن العلاج كافِ عن احتياجك لمشاعرها ، وحضنها ... نعم العلاج ما صرف لكِ إلا بناء على أعراض واضحة عليك الهدف منه تخفيفها ، وليس أزالتها ، لذا أنتِ أعرف ، وربما قراءتي هنا كم من السائلين بدل نوع العلاج ، وزادوا في الجرعة ... فالدواء ليس سحرا ، ولا اجتثاثا لكل ما نعانيه من ذواتنـا ... هو مساعد للبعض يمنحهم نتائج عالية ، ولآخرين قد لا يغيّر شيء لاعتبارات مختلفـة .. فرصة هي أن تخبريها بأنك لا ترغبي بالاستمرار في تناول دواءك هذا شيء يخصكِ ، ولا يقدر أحدا فرضه عليكِ بما فيهم الطبيب الذي ما صرفه ، وقرره إلا لمعرفته بحاجتكِ إليه ، لكن كيف تخبري أمكِ ، وكيف تقولي لهـا ما الذي دفعك لهذا ، وكيف أنك تحتاجين إليها ، وما أسئلتها الشبيهة بالمحقق إلا لخوفها ، وخشيتها من تركك أن ترى أعراضا أخرى أو انتكاسة لحالتكِ ، وحتى لو أنكِ تشعري بمتعة ربما من خلالهـا تعاتبي نفسكِ أو تعاقبيه ، وربما تمنحي نفسكِ مراجعـة لحالتك ، وواقعكِ فالدواء إن بقيتِ تتناولينه ، والحال هو الحال ، والأعراض هي الأعراض فما الفائدة ، وربما هناك أشياء تتطلب تغييرا ، مناقشة ، إعادة تفكير ، وتلك خطوة إيجابية ، وترويض لحساسيتكِ ، ومشاعركِ الشفافة ، حتى ولو أنك تجاوزت العشرين من عمركِ .. فالألم يعلمنا أشياء كثيرة ، والوجع يمنحنا حصانة لألم قد يكون الغيب يخبأه لنـا .
•أختي الفاضلة ..
ما حزنكِ تجاه أمكِ إلا فاضح ، وكاشف لرقتكِ وطيب معدنكِ ، ما حزنكِ لأمك إلا نور صادق ساطع لحب لو نثرته هنا لأغرق ساحـة المنـتدى ..
ما أعتدت الكذب ، وإلا لو أردت لأخفيت تركك للدواء عنـها ... فتقبلي خوفها عليكِ ، فناقشيها بهدوء وكأنك لأول مرة تحاورينها ، كوني معها ألطف ما يكون ، وأنصتِ إذا حكت ، ولا تقاطعيهـا ، وإذا صمتت حدقي في عينيها لا توري وجهكِ عنها ، ولا دمعتكِ ... كوني كما أنتِ .. كما تحسي ... كما تشعري ... وبوح بما في داخلكِ ، لو بقت صامته قولي لها أنك تحبينها نعم أحبكِ يا أمي .. أحتاجكِ .. أفتخر بكِ .. أعتز بكِ ... سامحيني إن غضبت أو أزعجتكِ أو أقلقتكِ .. رضاك يا أمي لا يعدل كل الدنيا ، وما فيهـا .
* أختي الفاضلـة ..
قد أكون أجهدتكِ بطول ما نزفته لكِ ، وقد تعلني أنكِ لم تستفيدي أي شيء ، ولو وجدتي نسبة( 1 ) من المائة لها جدوى مما نزفت فأنا راضٍ عن ما كتبت لكِ ، ولكن لعل أناس آخرين يقرءوا ما كتبت فيجدون شيء يلامسهم ، وهذا عزائي ، ولحظتها ... سأصدّق ما قلـتِ لن يفيدك دواء طبيب . .. بل أنك أوقفتِ الدواء ، وسـأصدّق أيضا أن الأخصائيين لن يفيدكِ بشيء .
*ربي يحفظك ، ويسعدكِ .
|