عرض مشاركة واحدة
قديم 12-10-2005, 08:07 PM   #9
خالــــــــــــــــد
عضـو مُـبـدع


الصورة الرمزية خالــــــــــــــــد
خالــــــــــــــــد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 1646
 تاريخ التسجيل :  05 2002
 أخر زيارة : 16-09-2014 (01:24 PM)
 المشاركات : 711 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue
الأعراض النفسية هي رد فعل طبيعي لظروف الحياة ولا فائدة من علاجها دون حل للمشكلات الحي



الأعراض النفسية هي رد فعل طبيعي لظروف الحياة ولا فائدة من علاجها دون حل للمشكلات الحياتية !


وَ يحتاجُ الأمُر هنا إلى مزيدٍ من الشرح و التوضيح لكيفية حدوث المرض النفسي و الذي هو نتيجة تفاعل عوامل خارجية مع عوامل داخلية " في الشخص ذاته " فمثلاً ليس كل من يفقدُ شخصا عزيزاً عليه و داعما له في الحياةِ " عامل خارجي " يصل رد فعله على ذلك إلى الاكتئاب و القلق وفقدان الشهية وعدم القدرة على النوم و عدم القدرة على الخروج للعمل وربما التفكير في الانتحار ! فعلى سبيل المثال يموت الأب تاركا ولدا وثلاثة بنات و يمر الكل برد الفعل المعروف " رد فعل الأسى " من حزن و بكاء وتذكُرٍّ مؤلم... إلخ .... مدة أسبوع أو أسبوعين و ربما أكثر و تعود كل واحدة من بناته إلى بيتها و أولادها لكن البنت الوسطى تستمر في الحزن و البكاء و عدم القدرة على النوم و لا تريدُ العودة إلى بيت زوجها و لا تحسُّ باشتياقٍ إلى أولادها ولا بطعم للأكل و لا ترى فائدةً من الحياة بعد وفاة أبيها ! لا بد هنا من سبب في البنت ذاتها " عامل داخلي " لأنَّ العامل الخارجيَّ واحد في ذلك المثال لكنَّ الكثيرين لا يفطنون إلى ذلك .

و كذلك الأمرُ مثلا في أستاذين كبيرين في واحدة من كليات الطبِّ على سبيل المثال عرف كل منهما أنه مصاب بسرطانٍ في القولون " عامل خارجي " أما أحدهما فحزن ما حزن لكنه احتسب البلاءَ عند الله و واصل عمله بين طلابه و مرضاه وواصل ما أتيح لحالته من علاج و أما الآخرُ فكانت إصابته بمثل ذلك الداء نهاية لكلِّ شيء في حياته فلا هو يخرج ليدرس لطلابه و لا هو يستقبل مرضاه في عيادته و لا هو حتى متعاون مع معالجيه و قد أخبرتني زوجته سرًّا أنه لم يعد يهتم بالصلاة و لا يقرأُ القرآنْ !!

و نرى في هذا المثال أيضا أنَّهُ بالرغم من ثبوت الحدث الحياتيِّ " العامل الخارجي " فإنَّ النتيجة مختلفة تماما فأحد الأستاذين واصل حياته متقبلاً لقدَرِه مؤمنًـا برحمة ربه و أحدهما اكتئبَ فعجز عن أيِّ شيءٍ من ذلك ! و لم يكن من تفسيرٍ للفرق بين الحالتين إلا ما عرفته بعد ذلك من أن الأستاذ الذي اكتئب كانت له أخت و كانت له عمة أصيبت كلتاهما بالاكتئاب أيَّ أن في الأمر شيءٌ من الاستعدادِ الوراثي " عامل داخلي "

و تكملةً للمثال الأخير أقول أنَّ أستاذ الأورام الذي كان يتابع كلا من الحالتين قد وجد معاناة كبيرة في معالجة الأستاذ المكتئب ووجد استجابته أقل للعلاج الإشعاعيِّ و الكيميائي بالرغم من أن حالته المرضية كانت أقل تطورا من الأستاذِ الآخر ! و كان قد قرأ أن حدوث الاكتئاب يؤدى إلى تدهور الحالة و تقليل الاستجابة للعلاج و أنه تجب الاستعانة بطبيب نفسي و لكنه لم يكن مستعدًا لمفاتحة الأسرة في ذلك و عليه فقد أضاف واحدًا من عقَّـاقير علاج الاكتئاب إلى الأدوية في جرعة صغيرة في المساء و لكن مرور شهر بلا نتيجة كان مقلقا بالنسبة له ! أما ما أجبر الجميع على عرض الأستاذ على الطبيب النفسي فهو أنه في الفترة الأخيرة بدأ يرفض العلاج كله لأنه لا يحس له نتيجة تذكر اللهم إلا الكثير من الآثار الجانبية المزعجة !

و كان على أستاذ الأورام عبءٌ كبيرٌ ألا و هو إقناع زوجة المريض وأولاده بضرورة عرض الحالة على الطبيب النفسي فلم يكن اكتئاب أبيهم غريبا من وجهة نظرهم و كان لسان حالهم يقول يعنى " سرطان و سيموت و لا تريدونه أن يحزن ! " المهم أنهم قبلوا على مضضٍ و كان واضحًـا تحفُّـزُهم في ردود أفعالهم عندما جلس الطبيب النفسي معهم ليناقشهم في خيارات العلاج المتاحة و المفاضلة بينها و كان ردهم الذي اتفقوا عليه جميعا هو " لا لا كهربة إيه يا دكتور !! هو ناقص !! بابا عنده حق يكتئب "

و كان العبءُ هذه المرة على الطبيب النفسي الذي أصرَّ على أن يكون العلاج بالصدمات الكهربية نظرا لخطورة الموقف و الحاجة إلى التحسن السريع و كذلك لتعدد الأدوية التي يتناولها المريض ! وفي نهاية الأمر رضخ الجميع بعدما شاهد أحدهم بالصدفة فيلما أمريكيا عرضت فيه صورة واقعية لما يحدث قبل و أثناء إجراء الصدمة الكهربية ! و كانت تعبيراتُ وجوه أبنائه و وجه زوجته ناطقة بالشكر في صبيحة يوم الصدمة الكهربية الثالثة ! فقد تحسن في كل شيء وقالت زوجته : " أكل بشهية كنا نسيناها وبدأ يتكلم عن الكلية و عن أحوال العيادة و طلب مصحفا و عاود الصلاة وابتسم وهو يداعبُ أحفاده بارك الله فيك يا دكتور "

الحقيقة أنني اضطُـرِرْتُ إلى حكاية كل هذه الحكايــة لأن في كــل جزءٍ منها ما يحتاج إلى تدبرٍ و تفهم كبيرين

فأولا : حصل الاكتئاب نتيجة تفاعل عاملين الخبر السيئ وهو الإصابة بالسرطان كعامل خارجي و الاستعداد الوراثي للاكتئاب كعامل داخلي ! ولذلك حدث لحالة دون الأخرى !

وثانيا : أدَّى إلى بطء تحسن المرض العضويِّ وقلل من استجابته للعلاج مقارنة بحالة الأستاذِ الذي لم يكتئبْ وأوصل في النهاية إلى رفض المريض لعلاج المرض العضوي

وَ ثالِثًـا : أدَّى تقبلُ الطبيب و الأسرة لحدوث الاكتئاب على أنه شيء عادي أورد فعل طبيعي إلى تدهور الحالة النفسية و زادت معاناة المريض دون داعٍ لذلك .

و رابعا : ظهر الأثَـرُ السيئ للأفكار المغلوطةِ الموجودة في أوساطِ مثقفينا فضلا عن بسطائنا في تحرجُ أستاذ الأورام بداية من مجرد عرض فكرة الحاجة إلى طبيب نفسي ومعاناته بعد ذلك في إقناعهم بضرورة ذلك ثمّ موقفهم الرافض لما اقترحه الطبيب النفسي من العلاج بالصدمات .

وَ خامسا : يظهرُ الفرق واضحا بعد علاج الاكتئاب و الذي يبين أنَّ فكرة أن الاكتئاب مبرر بوجود المرض العضوي الخطير و لا يحتاج لعلاج هي فكرة خاطئة لأن الاكتئاب لا بد من معالجته أيًّا كانت الأسباب لكي نحسن من قدرة المريض على الحياة و التعاون في العملية العلاجية.

و نخلص من ذلك و من أمثلة لا حصر لها في حياة كلِّ طبيب نفسي إلى أنَّ وجود مرضٍ عضويٍّ لا يعنى أنَّ الأمراضَ النفسية المصاحبة هي مجرد توابع مُـبرَّرَة و لا تحتاج لعلاج و إنما يلزمُ تقييمُ هذه الأعراضِ بواسطة طبيب متخصصٍ و تحديد العلاج اللازم لها ووسيلة تقديمهِ لأن علاج الأمراض النفسية المصاحبة للمرض العضْوِيِّ يؤدي إلى تحسن استجابة الأخير للعلاج و في كثيرٍ من الأحيان يؤدى إلى تقليل معدلات المضاعفات والانتكاسات التي تمثل مشكلة في التعاملِ مع الكثيرِ من الأمراض العضوية . والنقطة الأخيرة التي يجب التنبيهُ لها هي أنَّّ وجود الأعراض النفسية المُشَـكِّـلَـةُ لاضطراب نفسي ما بدرجة تسمح بتشخيص ذلك الاضطراب هو في حد ذاته مدعاة للعلاج النفسي بغض النظر عن وجود أو عدم وجود أسباب حياتية لذلك لأنَّ تحسن الحالة النفسية للمريض سوف يزيد من قدرته على التعامل مع المشاكل والتخلص منها .


 

رد مع اقتباس