18-10-2006, 02:25 AM
|
#15
|
عضو نشط
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 18661
|
تاريخ التسجيل : 09 2006
|
أخر زيارة : 26-10-2006 (06:22 PM)
|
المشاركات :
157 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
المسألة الثانية: سَماعُ الغناءِ والموسيقى بالوَسائطِ الحديثَةِ ائتي لا تَستدعي حُضوراً بدنيا لمحلٌ الغِناءِ.
وذلكَ كالأصوات المسموعَةِ من آلاتِ التسجيلِ، والمِذْياعِ، ومُكبراتِ الصوت، وأجهِزَةِ الحَواسِيبِ، والهَواتِفِ، وغيرِها.
فهذا جَميعُهُ من حيثُ الأصل تابع للأحكامِ المتقدمةِ الملخصَةِ في المبحَثِ السابقِ.
كذلكَ المسموعُ المشاهَدُ عن طَريقِ جِهازِ التًلفازِ الذي غَدا في واقِعنا جُزءاً من مَتاعِ البيتِ الذي لا يَكادُ ينفذ عن اقتِنائهِ أكثَرُ النَّاسِ. لكن الشأنَ في الغِناءِ والموسيقَى من هذا الجِهازِ أنه يَزيدُ على ما تقدم انضِمامَ الصورَةِ إلى الصوت، فإما الصوت فبحَسَبِ ما تقدم، هُوَ على الإباحَةِ تأصيلاً، ويخرُجُ عنها إلى المنعِ إذا استُعينَ بهِ على مَعصِيَةٍ ، أو كانَت مُفرَداتُ الغِناءِ مما لا تُبيحُة الشريعَةُ من الألفاظِ.
غيرَ أن الصورَةَ لَها أحكامٌ إضافية تخصها، لا بالنظَرِ إلى حُكمِها من جِهَةِ أنَّها صُورَة، فهذا مما أرجحُ حِلهُ، ولبَيانِهِ محل آخَرُ، ولكن بالتظَرِ إلى هيئةِ المُصَوَّرِ، من جِهَةِ الاتكِشافِ والحَرَكَةِ المقارِنَةِ للغِناء وأهلُ زَمانِنا يُظهِرونَ من الأغاني المصورَةِ ما يَفتِكُ أثَرُة في الجِتسَينِ الذكورِ والإناثِ فَتكاً، لِما تَظْهَر عليهِ الصورَةُ من الإغراءِ بالجِتسِ الآخَرِ، والعلةُ في ذلكَ من جِهَةِ آفَةِ التظَرِ، وقد قالَ النبي "ص": ( كُتِبَ على ابنِ آدَمَ نَصيبُهُ من الزنا، مُدرِكْ ذلكَ لا مَحالَةَ، فالعَينانِ زِناهُما النظَرُ) الحديثَ.
وَههُنا مَن يَفنَعُ مُعلًلاً بخَشيَةِ الفِتنَةِ.. والخَشيَةُ أمر مَظْنونْ، فيتقى مَورِدُها دَفعاً للظنونِ، ولكن لا يَجِبُ، وإنما الواجِبُ حِفظُ التفسِ عنِ الوُقوعِ في الحَرامِ.
المسألة الثالثة: اتخاذُ الغِناءِ أو العَزفِ حِرفَةً.
كَما يَقَعُ مِنَ المشتغلينَ به في كُل زَمان، غيرُ ما يَقَع فعلُهُ من عامةِ التاسِ في المناسَباتِ وغيرِها من غيرِ المحتَرفينَ، ما حُكمُ ذلكَ؟
القَينَةُ كوصف كانَ مَوجوداً قبلَ الإسلامِ، وبعدَ الإسلامِ، بل واستُعمِلُ في الكلامِ النبوي على الإقرارِ لتلكَ التسميَةِ، في شأنِ التي غنت عائِشَةَ أم المؤمنينَ، وتقدمت فيه الرٌوايَةُ، وهُوَ وصف يَقَعُ لِمَن تُجيدُ الغِناءَ وتُتقِنُهُ.
والغِناءُ والعَزفُ في أصلهما تصرفانِ مُباحانِ، وَقَعا على سَبيلِ الهِوايَةِ، أو على سَبيلِ الاحترافِ، فكَما لا يَمتَنِعُ الاحترافُ بمُباحِ سِواهُما، فلا يَمتَنِعُ بهما.
يؤيًدُهُ أنَّ ما كانَ من بابهما من الملاهي، فلا يُمنَعُ احترافُ ما كانَ مُباحاً منها.
وهُنا أصل جارٍ على الأصول: ان ما كانَ مُباحاً تَعاطيهِ جازَ أخد الأجرِ عليهِ.
والأدلة فيهِ هِيَ الأصولُ في التصرف بالمباحِ في كُل وجَل ما بَقِيَ على أصل الإباحَة، كما قالَ تعالىقل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيمة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون(32)) سورة الأعراف
وَمِنَ العُلماءِ من قالَ: (َيسَ كُل ما جازَ فعلهُ جازَ أخْذُ العِوَضِ عَلَيهِ)، ومَثَّلَ له ابنُ تيميةَ بجَوازِ المسابَقَةِ معَ منع أخْذِ العِوَض عليها، استدلالاً بحديثِ: "لا سَبَقَ إلا في نَضلِ أو خُف أو حافرِ" ، كما استدل له بكَون الغِناءِ باطلًا، فأخذُ الأجرَةِ أكل للمالِ بالباطلِ. والجَواب: أما مَتعُ أخذِ الأجرَةِ مقابِلَ المسابَقَةِ معَ جَوازِها إلا لمعنى استَثناهُ الشرع، فإنما ذلكَ لِما يَقَعُ فيها من المقامَرَةِ، وليسَ في الغِناءِ وَلا العَزفِ شَيء من هذا.
وأما دَعوَى أنه أكلْ للمالِ بالباطِل، فالتحقيقُ أن العِوَضَ مُقابِلُ المنفَعَةِ، والمنفَعَةُ بالمباحِ حاصِلَة، والغِناءُ إذا قُصِدَ به مَعنى صَحيحِ مُباحِ غيرِ مَكروهٍ ، كدَفعِ السآمَةِ وتَنشيطِ النًفسِ، ودَفعِ الوَحشَةِ، فَضلَا أن يَكونَ لإعلانِ نِكاح، أو لإظهارِ سُرور في يومِ عيدٍ أو مُناسَبةِ متميزَةِ، فهذهِ المقاصِدُ مَنافِعُ مُعتَبَرَة، وليسَ الغِناءُ فيها لمجردِ العَبَثِ، فيَسقُطُ عنهُ بذلكَ وصف الباطِلِ.
ثُم إن أكلَ المالِ بالباطِلِ، إنما هُوَ أكلُهُ في الحرامِ، وليسَ الغِناءُ كذلكَ، وكَثير من الملاهي المأذونِ بها، كالتنرهِ في الأماكنِ المباحَةِ كالحدائقِ والشواطى لجَلِبِ الأنْسِ، والتفرجِ على لَعِبٍ مُباحٍ ، وفي زَمانِنا كَثير، كاللعب بالكُرَةِ في صُوَرِه المختلفةِ، أو سِباقِ الخيل، أو التمثيلِ، أو غيرِ ذلكَ، مِما أصلهُ جارِ على الإباحَةِ، قد لا يتهيَّأ إلًّا ببذلِ المالِ، وَيفعلهُ التاسُ بقصد صَحيح مُباح،. ويتحققُ لهم بهِ أتس وابتِهاجْ مَشروعَينِ، وهذه مَنْفَعَة يَزولُ مَعها عن تلكَ الأفعالِ وصف الباطِلِ.
وَمِن غَريبِ ما قيلَ هُنا: (هذا الأصل صَحيح إلا في الغِناءِ)،
فهذا قول على خِلافِ الأصولِ، ولا تُسعِفُهُ النقولُ.
وَقالَ أبو بكرِ ابنُ المنذِرِ: "وً أجْمَعَ كُلُّ مَن نَحفَظُ عنه من أهل العِلمِ على إبطالِ إجارَةِ النائحةِ والمغنًيَةِ، كَرِهَ ذلكَ الشًعبي والنخَعي ومالك، وبهِ نَقولُ، وَقالَ أبو ثَورِ والنعمانُ وَيعقوبُ ومُحمد : لا تَجوزُ الإجارَةُ على شَيء من الغِناءِ والنَّوحِ".
قلتُ: هذا القول لا يَعني الإجماع، إنما هُوَ إجماعُ مَن سَمَّى من العُلماءِ.
والرأيُ لا يَعدو اسمَهُ حتى يعتضد بالدليلِ ليُصبحَ حُكماً، وأصل الحُكمِ في هذهِ المسألةِ ما ذكرتُ، ولا ناقِلَ عنهُ ليُصارَ إليهِ، إلا الرأي في النائحَةِ، فإن أجرَتَها مُحرمَة، لا من أجل الصوت، وإنَّما لِما جاءَت بهِ النُّصوصُ من تَحريمِ النياحَةِ على الموتِ لمعنى الجَزَعِ، في نُصوصِ كَثيرَةٍ مُتواتِرَة، كقولهِ "ص": ((أربَع في أمتي مِن أمرِ الجاهليةِ لا يَترُكونَهُن: الفَخرُ في الأحسابِ، وَالطعنُ في الأنسابِ، والاستِسقاءُ بالنجومِ، وَالنياحَةُ، وَقالَ: "النائحَةُ إذا لم تَتُب قبلَ مَوتِها تُقامُ يومَ القِيامَةِ، وَعليها سِرْبال مِن قَطِرَانِ، وَدِرعٌ مِن جَرَب،".
واعلَم أن جَميعَ ما يُستدل بهِ لمَتعِ أخذِ الأجرةِ على الغِناءِ من الحديثِ لا يثبُتُ منه شيء، إذ كلها أحاديث ضعيفة.
|
|
|