16-08-2002, 08:01 AM
|
#5
|
عـضو دائم ( لديه حصانه )
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 1463
|
تاريخ التسجيل : 04 2002
|
أخر زيارة : 21-10-2004 (05:57 AM)
|
المشاركات :
1,406 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
رفض التبعية الفكرية
--------------------
بقلم د . محمود حمدى زقزوق وزير الأوقاف المصرى
-------------------
كان الإسلام منذ البداية حريصا كل الحرص على ضرورة ممارسة العقل الإنسانى لوظائفه التى أرادها الله . ومن هنا كان حرص الإسلام شديدا أيضا على تمهيد الطريق أمام العقل وإزالة كل العقبات التى تعوقه عن ممارسة نشاطاته. ومن اجل ذلك اتجهت تعاليم الإسلام الى تحطيم هذه العوائق حتى يشق العقل طريقه الى الفهم الصحيح والتفكير السليم .
والأمثلة على ذلك كثيره ومتضافرة ومن أهمها :
أولا: رفض التبعية الفكرية والتقليد الأعمى فالإسلام عندما أمرنا بالنظر واستعمال العقل فيما بين أيدينا من ظواهر الكون نهانا فى الوقت نفسه عن التقليد الذى فيه تعطيل للعقل عن أداء دوره فى الوجود . فالتقليد ضلال يعذر فيه الحيوان ولا يصح بحال من الأحوال من الإنسان القادر على التفكير والتمييز ولهذا عاب القرآن على المشركين تقليدهم الأعمى لأعرافهم وتقاليدهم وأسلافهم مستنكراً مثل هذا التقليد . وقد حذر النبى - صلى الله عليه وسلم - أيضاً من التقليد الأعمى قائلاً : (لا تكونوا إمعه)
بمعنى لا تكونوا مقلدين للآخرين تقليداً أعمى . فالنبى عليه الصلاة والسلام لم يرتض للمسلمين أن يكونوا إمعات يسيرون وراء كل ناعق ، بل عليهم أن يحكموا عقولهم ويميزوا بين ما يضرهم وما ينفعهم ، فلا حجية فى الإسلام لأحد بعد كتاب الله وسنة رسوله . ومن هنا كان القول المنسوب للإمام مالك : " كل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد ما عدا صاحب هذا القبر وأشار الى قبر النبى صلى الله عليه وسلم .
ثانيا : القضاء على كل أشكال الدجل والشعوذة والاعتقاد فى الخرافات والأوهام . فلا ضرر ولا نفع إلا بإرادة الله الذى يقول لنا فى القرآن الكريم إنه أقرب إلينا من حبل الوريد ، وإنه قريب يجيب دعوة من يدعوه . والرسول يقول :
(إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ) ، وليس هناك مخلوق يتحكم باسم الدين فى رقاب العباد .
وعقائد الإسلام واضحة وضوح الشمس فى وضح النهار ليس فيها ما يتعارض مع مقررات العقل السليم وقد وقف الرسول بحزم فى مواجهة مثل هذه المعتقدات . فعندما مات ابنه ابراهيم تصادف أن كسفت الشمس فى ذلك اليوم . فقال البعض من الصحابة : لقد كسفت الشمس مشاركة فى الحزن على موت إبراهيم . وقد واجه النبى ذلك على الفور بالرفض القاطع قائلاً : ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان ولا يخسفان لموت أحد ولا لحياة أحد ) .
ثالثا : تركيز الإسلام على المسئولية الفردية . فكل مسئول عن أعماله مسئولية تامة ، ولا يتحمل أحد مسئولية عمل غيره . وآيات القرآن فى هذا الشأن واضحة وصريحة . وهذه المسئولية الفردية لا تقوم إلا على أساس حرية الفرد واطمئنانه على حقوقه فى الأمن على نفسه وعقله وماله . ومن هنا جعل الإسلام الأمن على العقل والحفاظ عليه من بين المقاصد الضرورية الأساسية التى قصدت إليها الشريعة الاسلامية لقيام مصالح الدين والدنيا . وهذه المقاصد الضرورية هى حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال .
رابعا: حرر الإسلام الفرد المؤمن بعقيدة التوحيد من الخوف الذى لا مبرر له ، ورفعه الى مقام العزة التى يقول القرآن فيها : ( ولله العزة ولرسولة وللمؤمنين )
وتحقيقاً لهذا المبدأ يطلب الرسول من المؤمنين ألا تكون الحاجة سبيلاً إلى التنازل عن شئ من كرامتهم حين يقول (اطلبوا الحوائج بعزة الأنفس )
كما قرر الإسلام أنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ، وأن المؤمن لا يخشى فى الحق لومة لائم .
ولعل الملامح الأساسية للتنوير من المنظور الإسلامى تكون قد اتضحت معالمها من خلال ما عرضناه حتى الآن . ويمكن القول بأن الأسلام بذلك قد أطلق سلطان العقل من كل ما كان يقيده، وخلصه من كل تقليد كان يستعبده ، وبهذا تم للإنسان بمقتضى دينه أمران عظيمان طالما حرم منهما وهما استقلال الإرادة واستقلال الرأى والفكر - كما يقول الشيخ محمد عبده فى رسالة التوحيد - وقد كان لهذا الموقف الأساسى للإسلام من العقل أثره العظيم فى صياغة الحضارة الإسلامية والعقلية الإسلامية التى استطاعت أن تقدم للإنسانية حضارة شامخة كانت من أطول الحضارات عمراً فى التاريخ .
|
|
|