20-08-2002, 10:51 PM
|
#48
|
عضو مميز جدا وفـعال
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 271
|
تاريخ التسجيل : 07 2001
|
أخر زيارة : 30-04-2012 (09:42 AM)
|
المشاركات :
1,583 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
ديوان " مع الله"
وقرأت للأستاذ الأميري ديوانه الرائع "مع الله" في طبعته الثانية، وقد تفضل بإهدائه إليّ في عبارات ثناء لا أستحقها: "هدية إخاء صادق في الله إلى الأستاذ الكبير المؤمن الشيخ يوسف القرضاوي، مع المودة والتقدير والدعاء إلى الله أن يجعلنا دائمًا معه، ويجمعنا على إعلاء كلمته". بيروت في غرة شعبان سنة 1399هـ.
ومن حسناته: أنه كان يُصِرّ على استخدام التاريخ الهجري وحده فكل دواوينه وكل كتبه وكل رسائله إلى أصدقائه وكل إصداراته: مدون بالتاريخ الهجري، ولا شيء غيره. إنه ينطلق من الاعتزاز بالإسلام، ومن التمس العزة بغيره أذله الله.
وقد رغب إليّ أن أكتب كلمة عن هذا الديوان، فهو يعتد ويعتز بها. ليضمها إلى كلمات الأدباء والكتاب في الطبعة اللاحقة، ووعدته بتحقيق ذلك، وكنت أرغب بالفعل أن أكتب كلمة إضافية عن ديوان "مع الله" وعن شعر الأميري عامة، ولكن لم يسعفني القدر بتحقيق ما وعدت به ورغبت فيه فعسى أن يسامحني الأستاذ وقد لقي ربه، عليه رحمة الله ورضوانه، وعسى أن يكون في هذه الكلمة بعض الوفاء له.
كان ديوان "مع الله" صلوات وابتهالات، وترنيمات إلهية كأنها من مزامير داود، إنه شعر يحلق في آفاق السماء ويغوص في أعماق النفس ويسيح في جنبات الوجود، ويستحضر معية الله عز وجل في كل مكان وفي كل حين وفي كل حال: في ابتسام السَّحر.. في التماع القمر.. في تموُّج الغيوم.. في احتباك النجوم.. في الربيع الطلق.. في الخريف الحزين.. هو "مع الله" في سجود.. في شرود.. في وضوح.. في غموض.. في نزوة.. في نشوة.. في حزن شديد.. في جو سعيد.. في الأفق المديد.. في الغور البعيد.. "مع الله".
وقد قدم الشاعر لديوانه بكلمات هي شعر منثور، أو نثر "مشعور" أو قبسات من نور تخاطب العقل والوجدان، وكل الكيان في الإنسان.
وبدأ الديوان برائعته "مع الله".
مع الله في سبحات الفكر
مع الله في لمحات البصر
مع الله في مضمن الكرى مع الله عند امتداد السهر
مع الله والقلب في نشوة مع الله والنفس تشكو الضجر
مع الله في أمسي المنقضي مع الله في غدي المنتظر
مع الله في عنفوان الصبا مع الله في الضعف عند الكبر
مع الله قبل حياتي، وفيها وما بعدها عند سكنى الحفر
مع الله في الجد من أمرنا مع الله في جلسات السمر
مع الله في حب أهل التقى مع الله في ذكره من قد فجر
مع الله فيما بدا وانتشر مع الله فيما انطوى واستتر
إلى آخر ما ذكره من ألوان ومجالات معيته في الله، وهي معية ملأت المكان والزمان والحس والفكر والضمير والوجدان.
وقد استقبل الأدباء والشعراء والدعاة والمفكرون ديوان "مع الله" بما يليق به من ترحيب وتنويه وثناء، حرص الشاعر وحرص الناشر على أن يسجله أو يسجل لبابه في ملحق كبير مع الديوان نفسه.
وحسبنا من هؤلاء ما كتبه الأستاذ العقّاد إلى شاعرنا من رسالة يقول له فيها: ديوانكم "مع الله" آيات من الترتيل والصلاة، يطالعها القارئ فيسعد بسحر البيان كما يسعد بصدق الإيمان.. وقد قرأت طائفة صالحة من قصائده، وسأقرأ بقيتها، وأعيد قراءة ما قرأته؛ لأنه دعاء يتكرر ويتجدد ولا يتغير، وثوابكم من الله عليه يغنيكم عن ثناء الناس، وإنه -على هذا- لثناء موفور وعمل مشكور، فتقبلوا مني شكره واغتنموا من الله أجره، وعليكم سلام الله ورضوان الله. دارج في 4-2-1960م.
لا أستطيع أن أتخير من هذا الديوان بعض قصائده فكلها خيار من خيار، ولكني أنتقي خماسيتين: إحداهما كنت قد قرأتها في مجلة "المسلمون" التي كانت تنشر بين الحين والحين بعضًا مما تنتقيه من قصائد الشاعر أو مما يرسل به إليها، فكان منه هذه القصيدة عن "الكعبة" يقول:
الكعبة الشمّاء في مذهبي قيمتها ليست بأحجارها
والقرب من خالقها ليس في تشبث المرء بأستارها
قدسية الكعبة في جمعها أمتنا من كل أقطارها
وأنها محور أمجادها وأنها مصدر أنوارها
وكعبة المؤمن في قلبه يطوف أنى كان في دارها
وهي في الديوان وقد كتب تحتها: مكة المكرمة 1 رمضان 1373هـ. يعني: أنه كتبها بجوار الكعبة البيت الحرام وفي ظلال شهر رمضان، فاجتمع عليه بركات المكان والزمان ونفحات الإيمان والقرآن.
والأخرى: خماسية "سبحان ربي الأعلى" وفيها يقول:
أيٌّ سر يودي بدنيا حدودي كلما همت في تجلّي سجودي
كيف تذرو (سبحان ربي) قيودي كيف تجتاز بي وراء السدود
كيف تسمو بفطرتي ووجودي عن مفاهيم كوني المعهود
كيف ترقى بطينتي وجمودي في سماوات عالم من خلود
أتراها روحًا من المعبود
قد جلت ذاتها لعين شهودي!
وهي في الديوان. وكتب تحتها: كراتشي 24 من رمضان سنة 1371هـ.
وهكذا نجد النماذج الأخرى من شعر الأميري، وكلها تمضي في هذا الاتجاه الإيماني الرقراق، تعلو بالإنسان درجات بدل أن تهبط به دركات.
الشعر الانساني
وله -بجوار الشعر الرباني- سبحات ونفحات في الشعر الإنساني، الذي تتجلى فيه عواطف الإنسان من حيث هو إنسان ومن حيث هو أب كما في ديوان "أب"، ومن حيث هو ابن كما ديوان "أمي"، ومن حيث هو إنسان ذو قلب كما في ديوان "ألوان طيف".
ومن جميل شعره في ديوان "أب":
مالك يا قلبي.. على الدروب..!!
تبحث.. عن كل حشا منكوب!!
تصنع من أناته وجيبي...!
هل أنت يا قلبي.. أبو القلوب؟!
ومن أبياته المؤثرة في ديوان "أب":
ويذود عن عبي الكرى هـمّ.. وهـم.. ذو رنين!
هـمّ الثمانية الـصغا ر، وبعد.. تاسعهم جنين!
ومن المشاعر الإنسانية التي تحسها وتلمسها في شعر الأميري: الشعور بالغربة عن بلده وأهله وولده سنين طالت، فهو في الغرب وهم في الشرق.
يقول في إحدى قصائده:
أنا في امتدادات الأذانـــــــ كان فـي نسبي رباح
أنا في الرباط وفي الرياضـــ وليس عن حلبي براح!
واقرأ معي هذه الأبيات، وقد هلَّ عيد الفطر عليه وهو في غربته عن بلده وولده، وهو في جهاده.. بعث إلى أولاده بهذه الأبيات؛ لتنوب عن تحية العيد:
يا فرع القلب وراء البحار
في القلب نور من هواكم ونار
ذكرتكم في العيد، في غربتي والعبء مضن، وهمومي كبار
فأظلم القلب، وضج الهوى في كل ذرات كياني وثار
ثم ذكرت الله في حبنــا افتراقنا، وهو لنا خير جار
تهش روحي، واطمأن الرضا في غور إيماني، وقلبي استنار
وبجوار الشعر الإيماني، والشعر الإنساني للأميري، نجد الشعر الجهادي، وكله أو جله يصبّ في قضية الأمة المركزية والمحورية، وهي قضية الأقصى قضية أرض الإسراء والمعراج قضية فلسطين، وقد أصدر عدة دواوين في ذلك مثل: ملحمة الجهاد، وملحمة النصر "شعر من وحي معركة العاشر من رمضان 1393هـ"، ومن وحي فلسطين "شعر وفكر"، وحجارة من سجيل.. وقد صدر بعد انتفاضة أطفال الحجارة، الانتفاضة الأولى التي انطلقت أول ما انطلقت من مساجد غزة، وأطلق عليها في أول الأمر اسم "ثورة المساجد"!.
|
|
|