عرض مشاركة واحدة
قديم 05-06-2010, 09:08 PM   #2
نوآف
عضو نشط


الصورة الرمزية نوآف
نوآف غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 30623
 تاريخ التسجيل :  06 2010
 أخر زيارة : 15-07-2011 (04:36 AM)
 المشاركات : 80 [ + ]
 التقييم :  10
لوني المفضل : Cadetblue


الهلع

مقابل شرح الصدر.. "الهلع".

يقول تعالى: (إن الانسان خلق هلوعاً. إذا مسّه الشر جزوعاً. وإذا مسه الخير منوعاً)(4).

وحالة الهلع هي حالة ضيق الصدر.

ضيق الصدر: الجزع عند الابتلاء بالشرّ، فإنَّ الشر يفيض ويطفح على الصدور الضيقة، أمّا الصدور الواسعة فإنها تستوعب الشر، وتحوله الى صبر وحلم وذكر، قلنا وبنفس السبب (إذا مسّه الخير منوعاً).

فإنَّ مردود الخير والنعمة في الصدور الضيّقة الكفران والطغيان والشُح والمنع.

يقول تعالى (إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى).

إن الطغيان والكفر والمنع والشحّ من إفراز الصدور الضيقة، أما الصدور الواسعة فمردودها الذكر، والشكر، والعبودية، والصبر، والحلم، والعطاء.



شرح الصدر في المعرفة

ماتقدم من حديث يخصّ شرح الصدر في المعاناة والابتلاء،وهو باب واسع من شرح الصدر، والباب الآخر لشرح الصدر المعرفة والبصيرة.

والصدور اُوعية المعرفة. كما هي أوعية الابتلاء. فمن الصدور صدور شرحها اللّه تعالى للمعرفة، فتعي وتبصر، وتنفتح على المعارف، وتتلقّى من النور والوعي مالا يتلقاه الآخرون.

ومن الصدور صدور قاسية، لايدخلها النور، ولا المعرفة، ولا تتفتح على الهداية، وبينها درجات ومراتب، بعضها فوق بعض.

يقول تعالى: (أفمن شرح اللّه صدره للاسلام. فهو على نور من ربه. فويل للقاسية قلوبهم من ذكر اللّه. أولئك في ضلال مبين)(5).

الصدور التي شرحها اللّه يدخلها النور. وأما القاسية فلا ينفذ اليها النور، إلا إذا نفذ النور الى عمق الحجارة الصلدة... وليس العجز في النور، ولكن في الصدور، فإن النور ينزل على كل مكان من غير حساب، ولكن الصدور تحتجب عن النور عندما تكون قاسية.



أسباب الشرح

والله سبحانه هو الذي يشرح الصدور، وهو الذي يجعل الصدور ضيّقة حرجة، مافي ذلك شك.

يقول تعالى: (فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّـقاً حرجاً. كأنّما يصّـعّد في السماء. كذلك يجعل اللّه الرجس على الذين لا يؤمنون)(6).

والهداية والضلالة هي الانفتاح والانغلاق على النور. فمن يرد اللّه أن يهديه يشرح صدره، فيدخل الى قلبه النور، ومن يرد أن يُضلّه يجعل صدره ضيقاً، فينغلق على النور.

وفي القرآن تأكيد على هذا المعنى في أكثر من موضع، يقول تعالى (ألم نشرح لك صدرك)، (رب اشرح لي صدري)، (أفمن شرح اللّه صدره للاسلام)، (فمن يرد اللّه أن يشرح صدره للاسلام) ونظائر ذلك في كتاب اللّه.

وكلّها يؤكد أنّ أمر الصدور بيد اللّه، يشرحها ويضيّقها.. فإذا شرحها اللّه دخلها النور والمعرفة، وإذا ضيّقها اللّه انغلقت على النور والمعرفة.. ونظير ذلك "النصر" فإنه من عند اللّه من دون ريب، والقرآن يقرر هذه الحقيقة وينسب النصر الى اللّه في أكثر من موضع: (إذا جاء نصر اللّه والفتح)، (وما النصر إلاّ من عند الله)، (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً)، (والله يؤيد بنصره من يشاء).

إلا أن ذلك أحد وجهي هذه القضية، وهو حق وصحيح، والوجه الآخر، أنّ أسباب هذا النصر الالهي بيد الانسان نفسه، فإذا شاء أن ينصره اللّه نصره اللّه وإذا لم يشأ لا ينصره اللّه.

تأمّلوا الى الوجه الآخر من هذه القضية (إن تنصروا اللّه ينصركم ويثبّت أقدامكم)(7)، (وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة)، (ولينصرنّ اللّه من ينصره).

وهذا هو الوجه الثاني لهذه القضية. ولا يشق علينا أن نجمع هذين الوجهين معاً في تصوّر واحد متكامل، يكمّل كلّ من الوجهين الوجه الآخر.

وكذلك الأمر في "شرح الصدر"و "ضيق الصدر" فإن أسباب شرح الصدر وضيق الصدر بيد الانسان، واللّه تعالى يشرح الصدور ويضيقها بقانون وسنّة، كما هو شأنه تعالى في كل شيء، وليس لسنة اللّه تحويل ولا تبديل.

والآية رقم (125) من سورة الأنعام نفسها تبيّن هذه السُنّة بعدما تبين أن أمر الشرح والضيق في الصدور بيد اللّه. وهذا القانون هو: (كذلك يجعل اللّه الرجس على الذين لا يؤمنون)(8).

صحيح أن اللّه تعالى هو الذي يشرح الصدور ويضيقها.. ويبعث فيها الحياة ويميتها، ولكن هذا الضيق والرجس الذي يصيب الانسان بسبب الانسان نفسه، الذي أعرض عن اللّه، وصَدّ عن سبيل اللّه. وهو عقوبة ونتيجة لصدوده وإعراضه عن اللّه.

ومن أفظع الخطأ في فهم كتاب اللّه أن نفكك بصائر الكتاب، بعضها عن بعض، ونحاول أن نفهم بعضها مفصولاً عن بعض. إنَّ هذا المنهج التفكيكي في فهم القرآن يؤدي الى أخطاء كبيرة، ويتسبّب في ظهور نحل ومذاهب منحرفة في فهم كتاب اللّه وتأويله.

مفتاح شرح الصدر



مفتاح شرح الصدر: "الصبر والصلاة".

والدليل على ذلك سورة هود. وقد نزلت هذه السورة على رسول اللّه(صلى الله عليه وآله)أيام الشدّة والبأساء والضرّاء، لتبعث السكينة والطمأنينة على القلب الكبير في مواجهة عتاة قريش.

وتقصّ السور على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) قصص الانبياء من قبله، كابرا بعد كابر، وتذكرّه(صلى الله عليه وآله) بمالاقوه من أقوامهم من الاضطهاد والعذاب والعناد واللجاج، وكيف واجه الانبياء(عليهم السلام)هذا العناد والطغيان بالصبر والمقاومة.

ثم تأمر رسول اللّه(صلى الله عليه وآله) بالاستقامة والثبات على هدى الأنبياء من قبله: (فاستقم كما أُمرت ومن تاب معك). وتختم السورة هذا الدرس العظيم بهذه الآية الكريمة التي هي مفتاح كل مارزق اللّه أنبياءه(عليهم السلام) من شرح الصدر، والثبات، والمقاومة: (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل. إنّ الحسنات يذهبن السيئات، ذلك ذكرى للذاكرين. واصبر فإن اللّه لا يضيع أجر المحسنين)(9).

ومن سورة البقرة نقرأ نفس المعنى: (واستعينوا بالصبر والصلاة. إن اللّه مع الصابرين)(10).

وإنما يأمرنا اللّه تعالى أن نستعين بالصبر والصلاة، لنواجه بهما هموم العمل ومتاعب الحياة وعقبات طريق ذات الشوكة. إن الصلاة ذكر اللّه (أقم الصلاة لذكري).

وفي ذكر اللّه كل ما يحتاجه العامل السالك الى اللّه من زاد الطريق، وحول، وقوة، وسكون، واطمئنان، وتوكل، وثقة باللّه، فيشدّ الانسان حبله بحبل الله، فيتحوّل ضعفه الى قوة، وفقره الى غنى باللّه، وجهله الى سداد ومعرفة، وبذكر اللّه يخرج الانسان من أفق الانسان الضيق الى رحاب الرحمان الواسع. وماذا يحتاج الانسان بعد ذلك.. هذا عن "الصلاة".

وفي "الصبر" المقاومة والثبات.

وبين الصبر وشرح الصدر علاقة تبادلية. فإن الصبر على الابتلاء يمنح الانسان شرح الصدر وهو في نفس الوقت من نتائج شرح الصدر.

وهذا باب واسع من المعرفة، سبق أن أشرنا اليه. إن الانسان لا يكتسب شرح الصدر وهو قابع في زاوية بيته. فإذا دخل ساحة المواجهة، عصره البلاء عصراً، وصبر على المواجهة والابتلاء.

وعندئذ يكون الصبر من إفراز ونتائج شرح الصدر. ومن خلال هذه العلاقة التبادلية بين "الصبر" و"الشرح" يتصاعد الصبر والشرح. فالصبر يزيد شرح الصدر وشرح الصدر يزيد الصبر.

وكذلك الأمر بين الصلاة والشرح الصدر.

بالصلاة يشرح اللّه صدر عباده، وإذا شرح اللّه صدر عبده أقبل العبد على الصلاة وذكر اللّه، ووجد في الصلاة قرة العين، وراحة القلب.



الدرس الثاني: (فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً).

هذه سُنّة من سنن اللّه في التاريخ، ووعي هذه السُنَّة ينفع العاملين الدعاة الى اللّه كثيراً. ومن يعرف أن من بعد العسر يسراً لا يستغرقه العسر، ولا يسقط في العسر.

أما إذا كان لا يعرف الانسان أن من وراء العسر يسراً فإن العسر لا محالة يستهلكه ويستغرفه، تماماً كما إذا كان الغريق يرى قارب النجاة يقترب منه سريعاً، أو يصرخ فلا يسمعه أحد ولا يراه أحد، والامواج تقذفه وتبتلعه.

إن سنة اليسر بعد العسر من السنن الالهية الاكيده التي ورد التأكيد عليها في القرآن في مواضع عديدة.

والايمان بهذه السنة ووعيها من ضرورات العمل.

ولذلك; سوف نتوقّف عند هذه السنة بعض الوقت لنتأمل فيها من خلال كتاب اللّه.



من الاستدراج والابتلاء

سُنّة الاستدراج وسنّة الابتلاء سنتان متقابلتان .

سنة الاستدراج بنعمة بعدها سقوط ومحق وعذاب، وهذه النعمة ظاهرها رحمة وباطنها النقمة يستدرج فيها اللّه تعالى المسرفين والظالمين بالنعمة فتلهيهم النعمة، وتبطرهم، فينخر بنيانهم من الداخل، فينهار، وذلك هو المحق والسقوط في حياة هذه الامم.

وهذا السقوط يتم عادة، بغتة، وبصورة مفاجئة كما حدث ذلك في عصرنا للاتحاد السوفيتي.

يقول تعالى (فلمّا نسوا ما ذكّروا به. فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما اُوتوا أحذناهم بغتة. فاذا هم مبلسون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا. والحمد للّه رب العالمين)(11).

وإنّما يفتح اللّه أبواب النعمة عليهم ليفرحوا، ويتمادوا في غيّهم وطغيانهم، فيأخذهم اللّه بغتة، أخذ عزيز مقتدر، وهذه السنّة هي نفسها سُنّة الاملاء في القرآن، وإنما يسميها القرآن بالاستدراج لأن اللّه تعالى يستدرج بها المسرفين الى السقوط، ويسميها القرآن بـ "الاملاء" لأن اللّه يُملي فيها للمسرفين، والإملاء هو الإمداد، كما يقول الراغب في المفردات (فأمليت للذين كفروا. ثم أخذتهم فكيف كان عقاب)(12).

هذا عن سنة الاستدراج والاملاء وسنّة الابتلاء بعكس سنة الاملاء: يبتلي اللّه تعالى فيها عباده بالشدّة والعسر والضيق حتى يذكروا اللّه ويتضرعوا ويقبلوا على اللّه.

(ولقد أخذناهم بالعذابِ فما استكانوا لربهم وما يتضرّعو)(13).

يقول تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الاموال والانفس والثمرات. وبشر الصابرين)(14).

وهذه هي سنّة الابتلاء، وهي سنة عامة، شاملة. والمعاناة، والعذاب، والضيق، والشدّة في هذه السنة ظاهرها عذاب، وباطنها الرحمة. بعكس سنّة الاستدراج.


 

رد مع اقتباس