01-08-2010, 05:34 AM
|
#1
|
V I P
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 5696
|
تاريخ التسجيل : 02 2004
|
أخر زيارة : 15-11-2010 (09:06 PM)
|
المشاركات :
8,386 [
+
] |
التقييم : 87
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
العلم والعقل في الموقف من شذوذات العلماء .
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العلم والعقل في الموقف من شذوذات العلماء
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الهادي البشير، وبعدُ:
فلا زالت الأمة ولودًا، تلِد العلماء وطلَبة العلم وأهْل الدعوة والجهاد، والغيورين على دينها وهُوِيّتها، ومع تزايُد العلماء وتفرُّقهم في البلْدان وأصقاع الأرض، فإننا نسمع أحيانًا بفتاوى شاذَّة، تُخالف النَّصَّ الشرعي، فيطير لها أهلُ الأهواء والمرْجِفون فتزيدهم فتْنة، ويثبت لها أهلُ الإيمان والعلْم الراسخ، فتزيدهم تثْبِيتًا وإيمانًا.
ثم أتى الإعلامُ برجاله المتربِّصين، وأتْباعهم مِن مرضى القلوب، فجمعوا شذوذات العلماء وزلاتهم؛ ليضربوا بها المحكَم مِن أقوال أهْل العلم، فانتقلت الأقوالُ الشاذة من حيِّز الشذوذ والإهمال إلى حيِّز الاعتبار والإعمال، فقلَّدَها المقلدونَ احتجاجًا بالخلاف، ثم خرَّجُوا عليها تخريجاتٍ وفروعًا لَم تطرأ على صاحب القول الشاذ أول الأمر.
وأصبح الكثيرُ من الناس يتساءل بفطرةٍ نقيَّة:
هل الدِّين تغيَّر؟ أو أن العلماء لم يؤدُّوا أمانة العلم، فكتمُوا علينا أقوالاً شرعيَّة؟
كما زاد الاحتجاج بأقوال الرجال والعلماء على حساب السُّنة النبويَّة، حتى أصبح المناقِش أحيانًا حين تعجزه الحجَج النبوية، يرجع إلى حججٍ عصبية مقيتة، قائلاً: فلان أعلم منك! وهل يعقل أنَّ فلانًا لَم يسمع بهذا الحديث؟! ولأنَّ الشُّذوذ في الأقوال قديمٌ قِدم الاجتهاد نفسه، فسأذكُر منهج أهل السُّنة والجماعة والراسخين في العلم من تلك الزَّلاَّت والفتاوى الشاذة، وهو موقف يقوم على (العلْمِ الراسخ والعقل الكامل)، على أن الشذوذات المقصودة في كلامي ما اختص بالجانب الفِقهي، أمَّا الشذوذ في العقيدة، فهو البدْعة:
أولاً: الرسول - صلى الله عليه وسلم - والبيان:
أنْزَل الله كتابَه على رسوله - صلى الله عليه وسلم - لِيُبيِّن للناس؛ كما قال: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ﴾ [النحل: 44]، وأعطاه الفصاحة وجوامع الكلِم والإعجاز، فقام بالبيان خير قيام، فلم يتركْ طائرًا يطير في السماء إلا أعطانا منه خَبَرًا، حتى تعَجَّب المشركون من ذلك، كما في حديث سلمان في "صحيح مسلم".
ثانيًا: العصمة:
لَم يجعل الله أحَدًا معصومًا غير رسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد عبَّر عنها الإمامُ مالك بعبارةٍ جامِعة مانعة، فقال: كُلٌّ يُؤخَذ من قوله ويُرَدّ، إلا صاحب القبر.
والتطبيق العملي لهذا الأصل الأصيل: أنهم لا يعْصِمُون أحدًا عن الخطأ كائنًا من كان، وليس مِن شروط العالِم أو الولي ألا يخطئ ولا يذنب، لكنَّهم يوجبون التوبة على كلِّ أحد، وبهذا نعلم ضلال مَن ادَّعى العصمة لأحد غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوِ ادَّعَى أنه يمكنه تشريع هديٍ غير هديه - صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في "الفتاوى" (11/66): "ليس مِنْ شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مُخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفورًا لهم، بل ليس من شرطهم ترْك الصغائر مُطلقًا، بل ليس من شرطهم ترْك الكبائر أو الكفر الذي تعقبه توبة"[1].
ثالثًا: الخطأ طبيعة بني آدم:
ينْبَنِي على النقطة السابقة عدم سلامة بني آدم من الأخطاء، إلا أنهم يتفاوَتون في مقدارها وأنواعها، وقد ورد في الأثر: ((كل ابن آدم خطَّاء، وخير الخطَّائِين التوابون))[2]، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة الكرام: ((لو لَم تذنبوا لذهب الله بكم، ولَجَاء بقوم يذنبون فيستغفرون، فيغفر لهم))[3]، وسار على تقرير ذلك أهل العلم؛ فهذا الإمام الشافعي يقول: "قد ألفتُ هذه الكتب ولم آلُ فيها، ولا بد أن يوجد فيها الخطأ، إنَّ الله تعالى يقول: ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82][4].
وقال تلميذه المزَنِي: "لو عُورض كتابٌ سبعين مرة لوُجد فيه خطأ؛ أبَى الله أن يكونَ كتابٌ صحيح غير كتابه"[5].
وقال الإمام أحمد: "ما رأيتُ أحدًا أقل خطأ من يحيى بن سعيد، ولقد أخطأ في أحاديث ثم قال: "ومَن يعرَى من الخطأ والتصحيف؟!"[6].
وقال الإمام الترمذي: "وإنما تفاضَل أهلُ العِلْم بالحفْظ والإتْقان، والتثبُّت عند السماع، مع أنه لم يسلمْ من الخطأ والغلَط كبير أحَدٍ مِن الأئمة مع حفْظِهم"[7].
رابعًا: ضابط القول الشاذ:
القول الشاذ لا يكاد يخْفى على أحدٍ - ولله الحمد - ويتبيَّن بما يلي:
أ - القول الشاذ هو المخالف للدليل الشرعي من النص والإجماع:
وهذا من اختصاص أهل العلم، فهُم أعْرَف الناس بمُخالفة الدليل، ولهم في دلالة الدليل مؤلَّفاتٌ، بابُها علم أصول الفقه، ولهذا لا يحق لأحدٍ غير أهل العلم الحكم بأن قولاً ما مُخالف للدليل، ما لم يكن له إلمام بأنواع الأدلة وأقسام دلالة الألْفاظ.
ب - القول الشاذ ما أوجد حيْرةً واضطرابًا وتردُّدًا في قلب المؤمن:
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الإثمُ ما حاك في صدْرك، وكرهتَ أن يطلعَ عليه الناسُ))؛ رواه مسلم، وفي رواية لأحمد: ((وإنْ أفتاك الناس)).
قال ابن رجب - رحمه الله - تعليقًا على هذا الحديث: "فهذا يدلُّ على أنَّ الحقَّ والباطل لا يلتبِسُ أمرُهما على المؤمن البصير، بل يعرف الحقَّ بالنُّور الذي عليه، فيقبله قلبُه، ويَنفِرُ عن الباطل، فينكره ولا يعرفه"[8].
وقال أيضًا: "وقوله في حديث وابصة وأبي ثعلبة: ((وإنْ أفتاك المفتون))؛ يعني: أنَّ ما حاك في صدر الإنسان فهو إثمٌ، وإنْ أفتاه غيرُه بأنَّه ليس بإثمٍ، فهذه مرتبةٌ ثانيةٌ، وهو أنْ يكونَ الشيءُ مستنكرًا عندَ فاعله دونَ غيره، وقد جعلَه أيضًا إثمًا، وهذا إنَّما يكون إذا كان صاحبُه ممَّن شرح صدره بالإيمان، وكان المفتي يُفتي له بمجرَّد ظن أو ميلٍ إلى هوى من غير دليلٍ شرعيٍّ، فأمَّا ما كان مع المفتي به دليلٌ شرعيٌّ، فالواجب على المستفتي الرُّجوعُ إليه، وإنْ لم ينشرح له صدرُه، وهذا كالرُّخص الشرعية؛ مثل: الفطر في السفر، والمرَض، وقصر الصَّلاة في السَّفر، ونحو ذلك ممَّا لا ينشرحُ به صدور كثيرٍ مِنَ الجُهَّال، فهذا لا عبرةَ به"[9].
ج - القول الشاذ ما استغربه جمهور المسلمين:
ويدل له قول معاذ - رضي الله عنه -: "اجْتَنِبُوا مِنْ كَلاَمِ الْحَكِيمِ كُلَّ مُتَشَابِهٍ، الَّذِي إِذَا سَمِعْتَهُ قُلْتَ: مَا هَذَا؟"[10].
أي: على وجْه الاستغراب؛ لأنَّه مخالف لغيره.
فلهذا لا يخفى القول الشاذ على جمهور المسلمين، وقد جعل الله للقول الحق نورًا يُعرَف به، ولم يجعل الله الحق ملتبسًا؛ بحيث يخفى على جمهور علماء المسلمين، بل من رحمته جعل له أماراتٍ وعلاماتٍ وأدلةً يعرفها أهلُ العلم، ويتفاضَلون في تحصيلها.
يتبعـ ,,
|
|
|