سوف اضع بين يديكم مقتطفات اعجبتني من كتاب التداوي بالاستغفار
الكاتب حسن بن احمد بن حسن همام
المقدمة
الحمد لله العزيز الغفّار يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.
أحمده على جزيل فضله وإنعامه وعظيم كرمه وإحسانه والصلاة والسلام على نبيه المصطفى ورسوله المجتبي محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين وبعد:
فإن الله عز وجل أمر عباده بالتوبة والاستغفار في آيات كثيرة من كتابه الكريم، وسمى ووصف نفسه بالغفّار والغفور وغافر الذنب، وأثنى على المستغفرين، ووعدهم بجزيل الثواب، فالله عز وجل يرضي عن المستغفر الصادق؛ لأنه يعترف بذنبه ويتذلل بين يدي ربه وخالقه، فالاستغفار هو الدواء الناجع والعلاج الناجح من الذنوب والخطايا، فيا من مزقه القلق وأضناه الهم وعذبه الحزن عليك بالاستغفار؛ فإنه يقشع سحب الهموم ويزيل غيوم الغموم، وهو البلسم الشافي والدواء الكافي وفي الأثر "ما ألهم الله عبداً الاستغفار وهو يريد أن يعذبه".
فإليك أخي الكريم هذه الرسالة في الاستغفار لعلها تكن خطوة على الطريق جعلنا الله وإياك من الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا والحمد لله رب العالمين.
تعريف الاستغفار
الاستغفار مصدر من استغفر يستغفر، ومادته "غفر" التي تدل على الستر، فالغفر الستر، والغفر والغفران بمعنى واحد يقال غفر الله ذنبه غفراً ومغفرةً وغفراناً.
قال الراغب: الغفر إلباس ما يصونه من الدنس ومنه قيل اغفر ثوبك في الدعاء، والغفران والمغفرة، من الله هو أن يصون العبد من أن يمسه العذاب، والاستغفار طلب ذلك بالمقال والفعال، وقيل اغفروا هذا الأمر بمغفرته أي استره بما يجب أن يستر به.
والغفور والغفّار والغافر من أسماء الله الحسنى ومعناهم الساتر لذنوب عباده المتجاوز عن خطاياهم وذنوبهم.
قال الغزّالي: الغفار هو الذي أظهر الجميل وستر القبيح، والذنوب من جملة القبائح التي سترها بإسبال الستر عليها في الدنيا، والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة.
وقال الخطّابي: الغفّار هو الذي يغفر ذنوب عباده مرة بعد مرة كلما تكررت التوبة من الذنب تكررت المغفرة، فالغفّار الساتر لذنوب عباده المسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته؛ فلا يكشف أمر العبد لخلقه ولا يهتك ستره بالعقوبة التي تشهره في عيونهم.
حقيقة الاستغفار وأسبابه
الإنسان ليس معصوماً من الخطأ واقتراف الذنب بحكم طبيعته البشرية، وأيضاً فإن أعداءه كثر: منهم النفس التي تسكن بين جنباته وتزين له وتأمره بالسوء }إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي{ ومنهم الشيطان العدو اللدود الذي يتربص بالإنسان ليورده موارد التهلكة، ومنهم الهوى الذي يصد عن سبيل الله، ومنهم الدنيا بغرورها وزخرفها، والمعصوم من عصمه الله، ناهيك عن الغفلة والفتور عن الطاعة ،والتقصير في جنب الله ؛لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة- رضي الله عنه- "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم".
وقال في موضع آخر: "كلّ بني آدم خطّاء وخير الخطّائين التوّابون" ولكن هناك مسألة لابد من الانتباه إليها وهي أن كثيراً من الناس يعتقد أن الاستغفار يكون باللسان، يقول أحدهم: "استغفر الله".. ثم لا يوجد لهذه الكلمات أثر في القلب كما لا يُشاهد لها تأثير على الجوارح ،ومثل هذا الاستغفار في الحقيقة فعل الكذّابين.
قال الفضيل بن عياض- رحمة الله- "استغفار بلا إقلاع عن الذنب توبة الكذابين" وكان أحد الصالحين يقول: استغفارنا يحتاج إلى استغفار أي أن من استغفر الله ولم يترك المعصية؛ فاستغفاره يحتاج إلى استغفار؛ فلننظر في حقيقة استغفارنا لئلا نكون من الكاذبين الذين يستغفرون بألسنتهم، وهو مقيمون على معاصيهم.
يتبع