14-01-2011, 03:14 PM
|
#1
|
عضو نشط
بيانات اضافيه [
+
]
|
رقم العضوية : 28689
|
تاريخ التسجيل : 09 2009
|
أخر زيارة : 02-05-2012 (05:04 PM)
|
المشاركات :
194 [
+
] |
التقييم : 10
|
|
لوني المفضل : Cadetblue
|
|
خطرات الانسان وافكاره
من كتاب ابن القيم الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي أو الداء والدواء
فصل الخطرة
وأما الخطرات : فشأنها أصعب ، فإنها مبدأ الخير والشر ، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم ، فمن راعى خطراته ملك زمام نفسه وقهر هواه ، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب ، ومن استهان بالخطرات قادته قهرا إلى الهلكات ، ولا تزال الخطرات تتردد على القلب حتى تصير منى باطلة .
كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب [ سورة النور : 39 ] .
وأخس الناس همة وأوضعهم نفسا ، من رضي من الحقائق بالأماني الكاذبة ، واستجلبها لنفسه وتجلى بها ، وهي لعمر الله رءوس أموال المفلسين ، ومتاجر البطالين ، وهي قوت النفس الفارغة ، التي قد قنعت من الوصل بزورة الخيال ، ومن الحقائق بكواذب الآمال ، كما قال الشاعر :
أماني من سعدى رواء على الظما سقتنا بها سعدى على ظمأ بردا منى إن تكن حقا تكن أحسن المنى
وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا
وهي أضر شيء على الإنسان ، ويتولد منها العجز والكسل ، وتولد التفريط والحسرة [ ص: 155 ] والندم ، والمتمني لما فاتته مباشرة الحقيقة بجسمه حول صورتها في قلبه ، وعانقها وضمها إليه ، فقنع بوصال صورة وهمية خيالية صورها فكره .
وذلك لا يجدي عليه شيئا ، وإنما مثله مثل الجائع والظمآن ، يصور في وهمه صورة الطعام والشراب ، وهو لا يأكل ولا ويشرب .
والسكون إلى ذلك واستجلابه يدل على خسارة النفس ووضاعتها ، وإنما شرف النفس وزكاؤها ، وطهارتها وعلوها بأن ينفي عنها كل خطرة لا حقيقة لها ، ولا يرضى أن يخطرها بباله ، ويأنف لنفسه منها .
ثم الخطرات بعد أقسام تدور على أربعة أصول :
خطرات يستجلب بها العبد منافع دنياه .
وخطرات يستدفع بها مضار دنياه .
وخطرات يستجلب بها مصالح آخرته .
وخطرات يستدفع بها مضار آخرته .
فليحصر العبد خطراته وأفكاره وهمومه في هذه الأقسام الأربعة ، فإذا انحصرت له فيها أمكن اجتماعه منها ولم يتركه لغيره ، وإذا تزاحمت عليه الخطرات لتزاحم متعلقاتها ، قدم الأهم فالأهم الذي يخشى فوته ، وأخر الذي ليس بأهم ولا يخاف فوته .
بقي قسمان آخران :
أحدهما : مهم لا يفوت .
والثاني : غير مهم ولكنه يفوت .
ففي كل منهما ما يدعو إلى تقديمه ، فهنا يقع التردد والحيرة ، فإن قدم المهم ؛ خشي فوات ما دونه ، وإن قدم ما دونه فاته الاشتغال به عن المهم ، وكذلك يعرض له أمران لا يمكن الجمع بينهما ، ولا يحصل أحدهما إلا بتفويت الآخر .
فهو موضع استعمال العقل والفقه والمعرفة ، ومن هاهنا ارتفع من ارتفع وأنجح من أنجح ، وخاب من خاب ، فأكثر من ترى ممن يعظم عقله ومعرفته ، يؤثر غير المهم الذي لا يفوت على المهم الذي يفوت ، ولا تجد أحدا يسلم من ذلك ، ولكن مستقل ومستكثر .
والتحكيم في هذا الباب للقاعدة الكبرى التي عليها مدار الشرع والقدر ، وإليها مرجع الخلق والأمر ، وهي إيثار أكبر المصلحتين وأعلاهما ، وإن فاتت المصلحة التي هي دونها ، والدخول في أدنى المفسدتين لدفع ما هو أكبر منها .
|
|
|